فصل: تفسير الآية رقم (71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (70):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً} [70].
{ذَلِكَ} مبتدأ، إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم، أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم، فالمشار إليه إما جميع ما قبله أو ما يليه.
{الْفَضْلُ} صفة: {مِنَ اللّهِ} خبره، أي: ذلك الفضل العظيم من الله تعالى لا من غيره، أو: {الْفَضْلُ} خبر، و{مِنَ اللّهِ} حال، والعامل فيه معنى الإشارة، أي: ذلك الثواب، لكمال درجته، كأنه هو الفضل، وإن ما سواه ليس بشيء موجوداً وكائناً من الله تعالى، لا أن أعمال المكلفين توجيه.
قال الناصر في الانتصاف: معتقدنا، معاشر أهل السنة، أن الطاعات والأعمال التي يتميز بها هؤلاء الخواص، خلقُ الله تعالى وفعله، وإن قدرهم لا تأثير لها في أعمالهم، بل الله عز وجل يخلق على أيديهم الطاعات ويثيبهم عليها، فالطاعة إذاً من فضله، فله الفضل على كل حال، والمنة في الفاتحة والمآل، وكفى بقول سيد البشر في ذلك حجة وقدوة: فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله» قيل: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بفضل مِنْهُ وَبِرَحْمَةٍ»، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، اللهم! اختم لنا باقتفاء السنة، وأدخلنا بفضلك المحض الجنة. انتهى كلام الناصر.
والحديث المذكور أخرجه الشيخان عن أبي هريرة: {وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً} بجزاء من أطاعه وبمقادير الفضل واستحقاق أهله.
قال الرازيّ: وله موقع عظيم في توكيد ما تقدم من الترغيب في طاعة الله، لأنه تعالى نبه بذلك على أنه يعلم كيفية الطاعة وكيفية الجزاء والتفضل، وذلك مما يرغب المكلف في كمال الطاعة، والاحتراز عن التقصير فيه، ثم أعاد تعالى، بعد الترغيب في طاعته وطاعة رسوله، الأمر بالجهاد الذي تقدم، لأنه أشق الطاعات وأعظم الأمور التي يحصل بها تقوية الدين، فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (71):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍٍ أَوِ انفِرُواْ جَميعاً} [71].
{يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي: تيقظوا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم، يقال: أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف، كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه، ويطلق الحذر على ما يحذر به ويصون، كالسلاح والحزم، أي: استعدوا للعدو، والحذر على هذا حقيقة، وعلى الأول من الكناية والتخييل، بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية.
قال في الإكليل: فيه الأمر باتخاذ السلاح، وأنه لا ينافي التوكل.
قال بعض المفسرين: دلت الآية على وجوب الجهاد وعلى استعمال الحذر، وهو الحزم، من العدو، وترك التفريط، وكذلك ما يحذرونه وهو استعمال السلاح على أحد التفسيرين، فتكون الرياضة بالمسابقة والرهان في الخيل، من أعمال الجهاد.
{فَانفِرُواْ} أي: أخرجوا إلى الجهاد.
{ثُبَاتٍٍ} جمع ثبة بمعنى الجماعة، كما في القاموس، أي: جماعات متفرقين، سرية بعد سرية، وفرقة بعد فرقة إظهاراً للجراءة.
{أَوِ انفِرُواْ جَميعاً} أي: مجتمعين كلكم كوكبة واحدة، إيقاعاً للمهابة بتكثير السواد، ومبالغة في التحرز عن الخطر.
قال الحاكم: اتفق العلماء على أن ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام.

.تفسير الآية رقم (72):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنّ مِنكُمْ لمن لّيُبَطّئَنّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عليّ إِذْ لم أَكُن مّعَهُمْ شَهِيداً} [72].
{وَإِنّ مِنكُمْ لمن لّيُبَطّئَنّ} أي: ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد والخروج مع الجماعة لنفاق، أو معناه: ليثبطن غيره، كما كان المنافقون يثبطون غيرهم، وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أُبي، وهو الذي ثبط الناس يوم أُحُد، وقد روي عن كثير من التابعين أن الآية نزلت في المنافقين، فإن ما حكي عنهم هو دأبهم، وقيل: الخطاب للمؤمنين وقوفاً مع صدر الآية، فإن قال: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ} ثم قال: {وَإِنّ مِنكُمْ} وقد قال تعالى في المنافقين: {مَا هُم مّنكُمْ}.
قال الحاكم: والتقدير على القول الأول: وإن منكم، على زعمه، في الظاهر أو في حكم الشرع.
{فَإِنْ أَصَابَتْكُم مّصِيبَةٌ} كهزيمة، وشهادة، وغلب العدو لكم، لما لله في ذلك من الحكمة.
{قَالَ} أي: المبطئ فرحاً بصنعه، ومعجباً برأيه.
{قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عليّ} بالقعود: {إِذْ لم أَكُن مّعَهُمْ شَهِيداً} أي: حاضراً في المعركة، فيصيبني ما أصابهم، يعدّ ذلك من نعم الله عليه، ولم ير ما فاته من الأجر في الصبر، أو الشهادة إن قتل.

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مّنَ الله لَيَقُولَنّ كَأَن لم تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} [73].
{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مّنَ الله} كفتحٍٍ، وغنيمةٍٍ، ونصرٍٍ، وظفرٍٍ، ونسبة إصابة الفضل إلى جنابه تعالى، دون إصابة المصيبة، من العادات الشريفة التنزيلية، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
{لَيَقُولَنّ} ندامة على تثبطه وقعوده، وتهالكاً على حطام الدنيا، وتحسُّراً على فواته.
{كَأَن لم تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ} أي: صلة في الدين، ومعرفة بالصحبة.
{يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} فأصيب غنائم كثيرة، وحظاً وافراً.
وقوله تعالى: {كَأَن لم} إلخ، اعتراض بين الفعل وهو: {لَيَقُولَنّ} ومفعوله وهو: {يَا لَيْتَنِي} إلخ للتنبيه على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قول من لم تتقدم له معكم موادة، لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن، وفيه تعجيب أيضاً من قولهم المذكور.
قال بعض المفسرين: ثمرة ذلك تأكيد وجوب الجهاد وتحريم التثبيط عنه. انتهى.
ولما ذم تعالى المبطئين عن الجهاد، رغّب المؤمنين فيه بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (74):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [74].
{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالآخِرَةِ} أي: يبيعونها بها وهم المؤمنون الذي يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها، والمعنى: إن صد الذين في قلوبهم مرض، فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة، ويقال: عني بالموصول المنافقين المبطئين، أي: الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة، فيكون وعظاً لهم بأن يبدلوا التثبيط بالجهاد.
{وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ} أي: يستشهد.
{أَو يَغْلِبْ} أي: يظفر على العدوّ.
{فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ} نعطيه: {أَجْراً عَظِيماً} ثواباً وافراً.
روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَاداً فِي سَبِيلِي، وَإِيمَاناً بِي وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِناً أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». لفظ مسلم.

.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالمسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالم أَهْلُهَا وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ وَلِيّا وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ نَصِيراً} [75].
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} خطاب للمأمورين بالقتال، على طريقة الالتفات، مبالغةً في التحريض عليه، وتأكيداً لوجوبه.
وقوله تعالى: {وَالمسْتَضْعَفِينَ} مجرور، عطفاً على اسم الله، أي: في سبيل المستضعفين الذين هم كأنفسكم، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على السبيل، بحذف المضاف، أي: في خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص، يعني: وأختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه.
قال في الانتصاف: وفي النصب مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين:
إحدهما: التخصيص بعد التعميم، فإنه يقتضي إضمار الناصب الذي هو أختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلوماً من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم، بأن أخرجه إلى النطق.
{مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدَانِ} بيان للمستضعفين، أو حال منهم، وهم المسلمون الذين صدّهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بمكة مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكان النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يدعو لهم فيقول: «اللَّهُمْ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»، كما في الصحيح.
وإنما ذكر {الولدان} معهم، تكميلاً للاستعطاف واستجلاب المرحمة، وتنبيهاً على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإيذاناً بإجابة الدعاء الآتي بسبب مشاركتهم في الدعاء.
{الّذِينَ يَقُولُونَ} من إيذاء أهل مكة وإذلالهم إياهم، متبرئين من المقام بها.
{رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالم أَهْلُهَا} أي: بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المسلمين، وهي مكة، و{الظالم} صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أُجري على غير من هو له، كان كالفعل في التذكير والتأنيث، بحسب ما عمل فيه، قاله أبو السعود.
{وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ وَلِيّا} أي: سخر لنا من عندك حافظاً يحفظ علينا ديننا.
{وَاجْعَل لّنَا مِن لّدُنكَ نَصِيراً} ناصراً يدفع عنا أذيّات أعدائنا، أو المعنى: واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي: لتكن أنت ولينا وناصرنا، وقد استجاب الله عز وجل دعائهم حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير وليّ وأعز ناصر، ففتح مكة على نبيه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، فتولاهم أي: تولٍّ، ونصرهم أية نصرة، حتى صاروا أعزّ أهلها.
وروى البخاريّ بالسند إلى ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وبه إليه قال: كانت أمي ممن عذر الله.
قال الرازيّ: معنى الآية: لا عذر لكم في ترك المقاتلة، وقد بلغ حال المستضعفين من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي صار لها القتال واجباً، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة، لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير. انتهى.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: ثمرة هذه الآية تأكيد لزوم الجهاد، لأنه تعالى وبخ على تركه، تدل الآية على لزوم استنقاذ المسلم من أيدي الكفار، ويأتي مثل هذا استنقاذه من كل مضرة، من ظالم أو لص وغير ذلك، ووجه مأخذ ذلك، أنه تعالى جعل ذلك كالعلم للانقطاع إليه، وتدل على أن حكم الولدان حكم الآباء، لأن الظاهر أنه أراد الصغار.
قال الزمخشريّ: ويجوز أن يراد بالرجال والنساء، الأحرارَ والحرائر، وبالولدان، العبيد والإماء، لأن العبد والأمة يقال لهما: الوليد والوليدة، وقيل للولدان والولائد: الولدان، لتغليب الذكور على الإناث، كما يقال: الآباء والإخوة، وتدل الآية على أن للداعي حقاً عند الله، لأنه جعل ذلك اختصاصاً لنصرته، وتدل على لزوم الهجرة من ديار الكفر، وأن المؤمن لا يذل نفسه بجعله مستضعفاً، لأنه تعالى أوجب المقاتلة لزوال الغلبة عليهم، وفي الآيات هذه تأكيدات متتابعة على لزوم الجهاد.
لطيفة:
قال ناصر الدين في الانتصاف: وقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز، فالظلم ينسب إليها بطريق المجاز، كقوله: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً} إلى قوله: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ} [النحل: من الآية 112]، وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص: من الآية 58]، وأما هذه القرية في سورة النساء فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة، لأن المراد بها مكة، فوقرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفاً لها، شرفها الله تعالى، ثم شجع تعالى المؤمنين ورغبّهم في الجهاد بقوله:

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [76].
{الّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يعني في طاعته لإعلاء كلمته، فهو وليهم وناصرهم.
{وَالّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ} في طاعة الشيطان الآمر بغاية الطغيان، كإيذاء المستضعفين من المؤمنين وقتال أقويائهم.
{فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشّيْطَانِ} أي: جنده.
قال أبو السعود: وذكرهم بهذا العنوان للدلالة على أن ذلك نتيجة لقتالهم في سبيل الشيطان، والإشعار بأن المؤمنين أولياء الله تعالى لما أن قتالهم في سبيله، وكل ذلك لتأكيد رغبة المؤمنين في القتال وتقوية عزائمهم عليه، فإن ولاية الله تعالى علم في العزة والقوة، كما أن ولاية الشيطان مثل في الذلة والضعف، كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك، فقاتلوا، يا أولياء الله! أولياء الشيطان، ثم صرح في التعليل فقيل: {إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} أي: في حد ذاته، فكيف بالقياس إلى قدرة الله تعالى، ولم يتعرض لبيان قوة جنابه تعالى، إيذاناً بظهورها.
قالوا: فائدة إدخال {كان} في أمثال هذه المواقع التأكيد ببيان أنه منذ كان، كان كذلك، فالمعنى: إن كيد الشيطان منذ كان، كان موصوفاً بالضعف. انتهى.
والكيد: السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه، يقال: كاده يكيده، إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه، أفاده الرازيّ.